27 مارس 2022

الذكاء.. هويته وقياسه "قراءة تتبعية للنشأة والتطور"

 الذكاء.. هويته وقياسه  "قراءة تتبعية للنشأة والتطور"

الأستاذ الدكتور عباس علي شلال



 الذكاء.. هويته وقياسه  "قراءة تتبعية للنشأة والتطور"

الأستاذ الدكتور عباس علي شلال

اصبحت مفردة الذكاء اكثر المفردات استعمالا وشيوعا في كثير من الحوارات والاختصاصات وميادين العمل، وأصبحت لازمة مهمة وشرط ضروري لتقييم أداءات الأفراد والحكم على مدى صلاحيتهم وملاءمتهم وتقدمهم في أي نشاط او مهنة او تكليف.

ومن المؤكد والملاحظ ان تلك الاستعمالات تختلف من شخص الى آخر وتختلف من مجتمع الى آخر وتختلف حسب التكليف والمهمة والمهنة موضع التقييم، فانها "مفردة الذكاء" تستعمل بمستوى ومعنى معين لدى الأشخاص خارج المؤسسة العلمية المتخصصة مختلف عنها لدى الأشخاص المتخصصين، كما انها تستعمل لتوصيف مهارة معينة ليس كما تستعمل في مهارات كثيرة أخرى كما في مهارات إدارة الذات، وإدارة الأشياء، وإدارة الآخرين.

إذن الذكاء كمفردة "مصطلح ومفهوم" ليس كغيرها من المفردات المتداولة والشائعة الاستعمال بل هي مفردة ديناميكية مرنة متغيرة يمكن لها أن تمثل معان كثيرة جدا جدا، ويمكن وصفها بأنواع متعددة من السلوك كما يمكن تكميم وجودها بأكثر من أسلوب وبأكثر من صورة.

معنى الذكاء.. بشكل عام يمكن حصر أبرز التعريفات التي أشارت اليها المدارس النظرية وجاءت ضمن سياقات وتلميحات او حتى تصريحات العلماء الدقيقة منها منها ما يشير الى أنه "القدرة الكلية للفرد على العمل الهادف والتفكير المنطقي والتفاعل الناتج مع البيئة"، ويشار اليه ايضا بأنه قدرة الفرد الكلية لأن يعمل في سبيل هدف، وأن يفكر تفكيراً رشيداً، وأن يتعامل بكفاية مع بيئته، وهو موهبة المواهب وقدرة القدرات أو هو المحصلة العامة للقدرات العقلية والمعرفية جميعها.

وتوجد مجموعة أٌخرى من التعريفات توحد بين الذكاء وبين القدرة على التكيف أو التوافق مع البيئة التي تحيط بالفرد منها ما يشير بأنه القدرة على الإفادة من الخبرة للتوافق مع المواقف الجديدة، أو بتعريف آخر هو قدرة الفرد على التكيف بنجاح مع ما يستجد في الحياة من علاقات.

القياس العقلي ..

 بدأ القياس العقلي منذ أن إتجه الباحثون إلى قياس بعض الصفات الجسمية طمعاً في أن يجدوا في بعضها دلالات تشير إلى القوة العقلية، فبدأ القياس العقلي بقياس الرأس وأبعاد الجمجمة وما بها من نتوءات بحجة إن الرأس مستقر العقل، فهذه الإتجاهات كانت وليدة علم الفراسة حين كانت له الريادة في وصف القوى العقلية وقياسها.

ما علم الفراسة Physiognomy .. ؟ !



علم الفراسة Physiognomy من أقدم الوسائل المعروفة في قياس الخصائص العقلية، من خلال الإستدلال بالظاهر على الباطن، وكانت تهدف إلى الكشف عن الصفات العقلية والخلقية، كما تعتمد الفراسة على مقارنة ملامح الوجه الآدمي بملامح الحيوانات المختلفة، وكذا مقارنته بالسلالات البشرية المتعددة، ثم تطور القياس العقلي بعد أن إعتمد على النواحي الحسية-الحركية ثم تطور لقياس العمليات العقلية العليا كالتذكر والإدراك.

    ثم حاول كل من جالتون وبيرسون  Galton & Person إدحاض فكرة قياس التكوين العقلي من خلال المظاهر الجسمية في أوائل القرن العشرين، إذ بينا من خلال دراساتهما أن العلاقة بين القوة العقلية والمظاهر الجسمية ضعيفة جداً ولا يعتد بها، ومن جانبه يرى كرونباخ Cronbach 1972 إن حركة القياس العقلي بشكلها المعاصر بدأت بعد التركيز على مفهوم الفروق الفردية، ليصبح هدف القياس العقلي هو قياس الفروق الفردية فيه.

الولادة.. وقد إختلفت الكتابات في تحديد البدايات الحقيقية والفعلية لميدان القياس العقلي كمنظور علمي، فهناك من عدَّ البداية هي مع الدراسات التي قام بها ميلير Muller والتي إنصبت على دراسة الحواس وردود الأفعال إعتماداً على الملاحظة المضبوطة، وبعيداً عن التأمل العقلي المجرد، وكانت أولى هذه الدراسات في مطلع القرن التاسع عشر وبحدود عام 1801 ، على أن البعض الآخر عدَّ البدايات أو المحاولات الأولى لملاحظة وتقويم الأداء العقلي تكمن في محاولات العالم الفرنسي إتاردItard   بحدود العام 1807 عند محاولته تدريب الطفل المتوحش الذي عرف بإسم "طفل افيرون" لإكسابه مهارات الطفل العادي، بعد ما قضى وطراً من حياته في الغابات، وقد حظيت هذه التجربة بإهتمام كبير.



وقد أشار البعض إلى أن بدايات القياس العقلي إنما كانت بوضع مقاييس لتصنيف ضعاف العقول في المدرسة التي أسسها الطبيب الفرنسي سيكان Seguin  عام 1837 وما نتج عنها كلوحة الأشكال الشهيرة "لوحة سيكان" "Seguin form Board" ، والتي تستخدم حتى وقتنا الحاضر في أدوات القياس السيكولوجي لقياس مستوى الذكاء، وهي لوحة خشبية تحوي عشرة أشكال هندسية مفرغة، يطلب من المفحوص وضع قطع خشبية ملائمة لهذه الفراغات وفي أماكنها الصحيحة وفي أقل سرعة ممكنة.

النشأة الأولى.. الغالبية العظمى من العلماء والمفكرين الذين تتبعوا نشأة القياس العقلي أشاروا إلى إن البداية الحقيقية للقياس العقلي والتي يقترب فيها إلى حد كبير من معناه في العصر الحديث هي عام 1838 إذ إستطاع الطبيب الفرنسي سكيرول Esquriol التمييز بين المصابين بالمرض العقلي وضعاف العقول، كما قام من خلال الدراسات المتتابعة بتحديد درجات من الضعف العقلي ووضع محكات للتمييز بين هذه الدرجات، وكان سكيرول قد إقترح محكاً سيكولوجياً وظيفياً في تصنيف ضعاف العقول إلى فئات إعتماداً على إستخدام اللغة، فالضعف العقلي يتفاوت على مدى متصل من مستوى السواء إلى مستوى اللاسواء.

ولم يقتصر البحث أو الدراسة في تلك الفترة على ما قدمه سكيرول، بل نرى وجود الكثير من الدراسات التي قام بها العالم الألماني هيرمان فون هيلمهولتزH.V. Helmholtz   عام 1850 وما نتج عنها من تقديرات تتعلق بسرعة حدوث الدفعة العصبية، والذي حاول من خلالها التعرف على الفروق الفردية تبعاً للفروق الزمنية للإستجابة الحركية التي تصدر عن "الضفدع " محور التجربة آنذاك، ومن خلال تعيين الفروق المكانية ومعرفة الفروق الزمنية تمكن هيلمهولتز من تحديد سرعة حدوث الإستثارة، وقد عمل على تعميم هذه النتائج وترجمتها على الجنس البشري بإستخدام قياس بزمن الرجع في دراسة الأعصاب، عبر الفروق الزمنية الفاصلة بين إستجابات الأفراد وظهور المنبهات الخارجية.



ثم أن العالم البيولوجي الإنكليزي فرنسيس جالتون كان قد إقترح عام 1869 في مؤلفه "عبقرية الوراثة" Hereditary Genius  أن تقاس درجة عبقرية الفرد بنسبة تردد Frequency  الأشخاص الذين من بين الناس والذين يستطيعون أن يتجاوزوا تلك الدرجة ، وعليه فالقياس العقلي وما أنتجه من إختبارات عقلية بمعناه العلمي الموضوعي المعروف في الوقت الحاضر فإن أول من وضع معالمه هو جالتون بحدود عام 1882 من خلال تصوره النظري في توزيع الذكاء، وقد وضع في قمته العباقرة وفي قاعدته المعتوهين –حسب قوله- وضعاف العقول، وكان إهتمامه منصباً على دراسة المورثات Genetics والوراثة Heredity  ولقد شعر أثناء دراسته بحاجته إلى قياس الصفات التي يتشابه فيها الأقرباء فيما بينهم، ومنها كانت البداية في شق الطريق لحركة القياس في الفروق الفردية في خصائص وسمات الأفراد على أسس علمية ، وكان جالتون أول من إستخدم معامل الإرتباط Correlation Coefficient   لتحديد مدى العلاقة بين متغيرين.

أما الإختبار العقلي Mental Test   كمصطلح علمي فقد إستخدم لأول مرة في مقالة لعالم النفس الأمريكي كاتل Cattell   في أمريكا عام 1890 ، لقياس الجانب المعرفي للشخصية الإنسانية، والذي أسهم بنشاط فاعل في تطوير حركة علم النفس التجريبي والإختبارات العقلية بعد أن جمع بين طريقتي فونت في التجريب وجالتون في قياس الفروق الفردية، وقد وضع سلسلة من الإختبارات التي طبقت سنوات كثيرة على كلية الدراسات الأولية والعليا في جامعة كولومبيا فضلاً عن تجاربه عن زمن الرجع، والإنتباه، والترابط المضبوط، والقراءة، والعلاقات السيكوفيزيقية، وسرعة تسمية الألوان، ومدى الذاكرة السمعية للحروف، ومعظم هذه الإختبارات إنتشرت بشكل واسع واستخدمت في المدارس والكليات أواخر القرن التاسع عشر.



البدايات الحقيقية-تطور حركة القياس العقلي.. بعد المسح الدقيق للأدبيات والدراسات الخاصة بالقياس العقلي وبناء الإختبارات تمكن الباحث من تتبع حركة التطور لهذا المجال، بعرض أبرز محاولات العلماء في النشاط العقلي والتي كان لها الأثر الأكبر في تقدم القياس العقلي في المدارس النفسية المختلفة، وهي على النحو الآتي:

1891- برزت محاولة منستربيرج Munsterberg   لقياس ذكاء الأطفال عن طريق قياس عمليات عقلية معقدة تتمثل في التعرف على ألوان الأشياء المألوفة لدى الطفل، إذ يكتب للطفل قائمة بأسماء الأشياء المألوفة لديه، وعلى الطفل أن يكتب لون الشيء أمامه، وتسمية الألوان المختلفة، حيث يقدم للطفل بطاقات ملونة بألوان مختلفة وعليه أن يكتب إسم اللون أمامه، وعد الزوايا إذ يقدم للطفل بطاقات عليها أشكال هندسية لها زوايا مختلفة وعلى الطفل أن يعد زواياها، وعمليات الجمع البسيط، ومقارنة طول خط معين بطول خط آخر، ولقد وجد منستربيرج أن هناك إرتباطاً بين ذكاء الأطفال ونجاحهم في هذه العمليات.

1892- كانت المحاولة الأولى من قبل بولتون Bolton لتقويم درجات الإختبارات على أساس محك مستقل، بعد أن حلل المعلومات التي جمعها بوسBoss  عن عينة كبيرة من تلاميذ المدارس بلغ عددها (1500) تلميذاً.

1893 – في معرض كولومبيا في شيكاغو طبق جاسترو Jastrow  مجموعة من الإختبارات الحسية والحركية وبعض الإختبارات البسيطة للإدراك الحسي وذلك على كل من يهمه هذا النوع من القياس، وكان يعمل على مقارنة الإختبارات بمعايير النمو الجسمي والعقلي.

1895 – قام بينيه وهنري Pinet & Henry  بنقد الإختبارات السابقة لتركيزها على الجوانب الحسية-الحركية والقدرات البسيطة وقاما بنشر مقالة بعنوان "سيكولوجية الأفراد" أُشير فيها إلى عدم جدوى الإختبارات التي تقيس القدرات البسيطة، والى الحاجة إلى إختبارات تقيس نواح أكثر تعقيداً.

       وقد إستعرضا في مقالتيهما أيضا شكلين رئيسين في ميدان الفروق الفردية هما:

أ‌-     مدى وطبيعة الفروق الفردية في العمليات النفسية.

ب-العلاقات المتبادلة بين العمليات العقلية لدى الفرد.

      كما أشارا إلى الحاجة لإعداد إختبارات للعمليات العقلية الأكثر تعقيداً من العمليات الحسية-الحركية عند قياس الذكاء، وقد حاولا إيجاد رابط بين الأداء في كل من هذه الإختبارات وبين العمر الزمني للطفل، وكانت هذه الفكرة هي الأساس الذي صمم على أساسه الفريد بينيه إختباره الفردي في الذكاء عام 1905، إذ خصص كل سؤال لعمر زمني معين، وتزداد هذه الأسئلة صعوبة مع التقدم بالعمر.



1896 – قام عالم النفس الإيطالي فيراري Ferrari  بتصميم مجموعة من الإختبارات لقياس مدى الإدراك والفهم ، إذ كانت تحتوي على إختبارات للنشاط الحركي ووصف الصور والتقدير الزمني .

1897 - قام عالم النفس الألماني إبنجهاوسEbinghaus   بتطبيق منهج لقياس الذكاء لدى التلاميذ في مدينة برسلو، إذ طلب منهم إكمال نص حذفت منه بعض الكلمات، وكان متأثراً بفكرة بينيه في وضع إختبار لقياس ذكاء التلاميذ، وكان يعتقد أن الذكاء يبدو في القدرة على جمع أشتات الأشياء، وفي التركيب والبناء أكثر منه في القدرة التحليلية، وكانت أفكاره في بناء الإختبار تعتمد على الخيال والتصور في تكملة القصص ثم تطورت إلى الفهم المنطقي للعبارة .

1900 – قدم عالم النفس الألماني شتيرنStern   كتابه في الفروق الفردية والذي قدم فيه مجموعة متميزة ومتنوعة من الإختبارات.

1902 – نشر ثورنديك Thorndike  بحثاً عن الإرتباط بين العمليات العقلية والإدراكية والعمليات الإرتباطية، إستخدم فيه خمسة أنواع من الإختبارات منها إختبار تصحيح الأخطاء الإملائية في كلمات معطاة، وإختبار الأضداد، والجمع الحسابي، والترتيب الأبجدي للحروف الهجائية.

وقد نتج عن الدراسة أن معاملات الإرتباط ضعيفة جداً بين أغلب هذه الإختبارات، وفي ضوء هذه النتيجة توصل ثورنديك إلى الإعتقاد بأن هناك قدرات عقلية منفصلة بعضها عن بعض .

1903 – قارن كيلي Kelly   الأطفال العاديين بضعاف العقول من الناحية الحسية-الحركية وبعض الإختبارات العقلية البسيطة، ولفت الأنظار إلى التدرج المستمر في القدرات التي توجد بين هؤلاء الجماعات.

وفي العام نفسه ظهر كتاب تومسون Thomson عن الخصائص العقلية للجنسين والذي جاء نتيجة لتطبيق إختبارات متنوعة لسنوات عدة على عدد من الرجال والنساء مما يعده الكثيرون أول بحث شامل في سيكولوجية الفروق بين الجنسين.



1904إنطلقت أفكار وآراء العالم الإنكليزي سبيرمان Spearman عندما ظهرت المقالة التي تتحدث عن نظرية العاملين في التنظيم العقلي .

وفي العام ذاته قام تولوزToulouse  وآخرون بنشر كتاب "تقنية السيكولوجية التجريبية" تلك التقنية التي استخدمت فيما بعد كأول أساس منهجي في مجال الإنتقاء والتصنيف .

 وفي العام نفسه أيضاً عقد وزير التربية العامة الفرنسي مؤتمراً تربوياً بحث فيه أسباب تأخر مستوى تلاميذ المدارس العامة والذي كلف بمقتضاه بينيه لبحث ودراسة المشكلة.

1905 – ظهر مقياس سيمون- بينيه Binet - Simon لقياس الذكاء والذي يُعد أساس قياس الذكاء ، وكان المقياس في صورته الأولى يتكون من (30) إختباراً أو (مشكلة) رتبت تصاعدياً وفقاً لمستويات صعوبتها، وقد صممت لتغطي مجموعة كبيرة من الوظائف مع التركيز على الحكم، والفهم، والإستدلال.

1910 – وفي فرنسا أيضا تحقق ولأول مرة قياس قدرات العمال بإستخدام إختبارات عقلية وكان ذلك على يد العالم الفرنسي لاهي Lahy  .

وفي العام نفسه قام العالم كلاباريد Claparede بتطبيق مناهج السيكولوجيا الفارقية في سويسرا، وكانت الغاية الأولى منه هو تسهيل تكيف الأطفال والشباب مع الحياة المدرسية والعمل، ثم شاركه العالم بوفيه Bovet في تأسيس "معهد جان جاك روسو" والذي أصدر كتاباً فيما بعد "كيف تشخص قدرات التلاميذ" والذي كان له تأثير عالمي واسع.

1916 – عمل ترمان Terman بجامعة ستانفورد الأمريكية خلال خمس سنوات على تعديل إختبار بينيه، وقد نشر هذا التعديل عام 1916 وهو المعروف بإسم "ستانفورد–بينيه" وقد أضيفت إليه عناصر جديدة ليشتمل على (90) عنصراً، لقياس التذكر والتعرف على الأشياء المألوفة ، والتفكير، وفهم مفردات اللغة، ووصف الصو، وإدراك حجم الأشكال.. الخ .

1917 – قام يركز وأوتس Yerkes & Otis  بإصدار الإختبارات الجمعية "ألفا وبيتا للجيش الأمريكي" وذلك بعد عجز الإختبارات الفردية عن التطبيق السريع على مجموعات كبيرة ولحاجتها لعدد كبير من الباحثين المدربين، فكان إختبار ألفا معداً لقياس ذكاء المواطنين الأمريكيين الذين يقرأون ويكتبون باللغة الانكليزية، أما إختبار بيتا فقد عُد لغير الناطقين باللغة الانكليزية وللأميين، فكانت هذه المحاولة هي البداية الفعلية لحركة بناء وتطبيق الإختبارات الجمعية.

وقد تضمنت هذه المحاولة تطبيق عدة إختبارات منها إختبار بروفايل العرض والملامح، وإختبار لوحة الأشكال لديربورن، وإختبار نوكس للمكعبات، وإختبار تكوين المكعبات لكودارد، وإختبار ترمان للذاكرة والتصاميم، وإختبار التعويض الرمزي.



1922 – وضع فرانزان Franzan  معيار نسب التحصيل Achievement Quationt  للتعرف على المتخلفين تحصيلياً أو الذين ينخفض تحصيلهم عما يتوقع لهم بناءً على نسب ذكائهم.

1926 – نشرت جودانف Goodenough مقياسها المسمى "مقياس رسم الرجل" وفيه استخدمت الرسم لقياس الذكاء.

1930 – إنتشرت إختبارات مينيسوتا في الإستعدادات الميكانيكية والمهنية "كالتآزر الحركي" وكانت في قسمين، الأول منها هو لوحة فيها ستون قرصاً مطابقاً لهذه الثقوب، والقسم الثاني يحتوي (33) شكلاً ميكانيكياً، فضلاً عن بعض الدوائر الألكترونية.

1937 – ظهر تعديل ترمان-ميريل Terman–Merrill على مقياس بينيه والذي شمل تحسينات متعددة عليه منها وضعُهُ في صورتين بدلاً من واحدة، وإضافة عناصر جديدة لكل صورة، فقد أصبحت كل صورة من صوره مكونة من (129) عنصر بدلاً من (90) عنصراً في الإختبار ككل عام 1916 ، كما إتسع مداه ليبدأ من عمر سنتين وحتى ( 22) سنة.

1938 – قام وكسلرWechsler   بإعداد مقياس لذكاء الراشدين وراعى في إعداده أن يتلافى الإنتقادات التي وجهت لمقياس بينيه، وقد ظهر المقياس بحدود 1939 على يد العالم السيكولوجي وكسلر في مستشفى بلفيو  Bellevue  للطب النفسي بمدينة نيويورك، لذا سمي "مقياس وكسلر–بلفيو" وهو مقياس فردي لقياس ذكاء الراشدين المتعلمين من سنة (16) الى (60)، ويتألف من قسمين أحدهما لفظي يتكون من ستة إختبارات، والآخر عملي يتكون من خمسة إختبارات عملية .



بطاريات الإختبارات العقلية.. وبعد ان إزدادت الإنتقادات الموجهة للإختبارات العقلية المصممة على أساس وجهة النظر التي كانت سائدة مطلع القرن العشرين من أن التكوين العقلي ما هو إلا قدرة عامة أو عامل عام لا يمكن تجزئته، وبسبب ظهور نظريات جديدة تصف التكوين العقلي في مجموعة العوامل من جهة، ومن جهة أخرى لأثر التطور الكبير في علم القياس العقلي من خلال التطورات التي شهدتها علوم الإحصاء والرياضيات ودخول منهج التحليل العاملي، إذ برزت الحاجة الى بناء مجموعات من الإختبارات وتطبيقها للكشف عن التكوين العقلي وما يتضمنه من عوامل وقدرات وإستعدادات وبذلك إتجه الإهتمام الأكبر من جهود العلماء الى بناء وتصميم مجموعات من الإختبارات سميت بـ "البطاريات"  Batteries .

ويمكن أن نحدد أبرز العوامل التي أدت الى زيادة الإهتمام بتصميم بطاريات الختبارات المتعددة في:

1-  زيادة الإعتراف بالفروق الفردية داخل الفرد في أدائه على الأجزاء المختلفة لإختبارات الذكاء العام سواء كانت منفصلة أم فرعية.

2-  زيادة الإعتقاد بأن ما يسمى إختبارات الذكاء العام أقل عمومية مما كان مفترضاً فيها.

3-  لم تتناول إختبارات الذكاء بعض جوانب النشاط العقلي مثل القدرات الميكانيكية، والموسيقية، والكتابية بإسثناء قليل من الإختبارات العملية للذكاء.

4-  زيادة نشاط علماء النفس في المجالات التطبيقية كالتوجيه والإرشاد التربوي والمهني، والإنتقاء والتصنيف في الميادين المختلفة.

5-  التوسع في إستخدام منهج التحليل العاملي عند بناء الإختبارات العقلية، وقد أمكن لعلماء النفس بهذا المنهج أن يتوصلوا إلى تحديد أدق القدرات والإستعدادات المختلفة التي يتضمنها ذلك المصطلح العام "الذكاء" فضلاً عن تصنيف هذه القدرات والوصول الى نماذج نظرية لما يسمى بالتنظيم العقلي.

فقد كانت المحاولات الأولى لجمع الإختبارات في مجموعة واحدة وتطبيقها على المفحوصين في شكل بطارية هي عندما هيّأ كل من فرنالد (Fernald 1911)، ونوكس (Nokise 1914)  مجموعة من الإختبارات منها ألواح الأشكال ومجموعة أخرى من الإختبارات غير اللفظية وكان الهدف الأساس هو زيادة قيم الثبات والمجال فيها.

ولكن للجهود الكبيرة المقدمة في مجال التحليل العاملي Factorial Analysis  من قبل ثيرستون وكيلي وفيرنون الأثر في ظهور عدد من العوامل أو الإستعدادات المستقلة نسبياً، والتي كانت الإختبارات العقلية تتناولها بنسب مختلفة، وقد نتج عن هذا التحليل ظهور مجموعة من بطاريات الإختبارات كبطارية القدرات العقلية الأولية (P.M.A.B)، وبطارية الإستعدادات العامة (G.A.B)، وبطارية فلانكان لتصنيف الإستعدادات (F.A.C.B)  ويمكن تتبع تسلسل ظهورها على النحو الآتي:

1929 – ظهرت أول بطارية للإختبارات الجمعية لقياس القدرات العقلية وهي إختبارات أوتس ذاتية التطبيق للقدرات العقلية، بهدف إستخدامها في مدارس الولايات المتحدة الأمريكية.

1935 – قام العالم العربي عبد العزيز القوصي بوضع علامة أخرى على الطريق، كما يقول جيلفورد وجوتمان وفرنون، حين قام ببناء وتطبيق بطارية إختبارات لقياس ما أسماه "عامل التصور البصري المكاني" على مجموعة من أطفال المدرسة الإبتدائية، والتي فتحت الطريق أمام الكثير من العلماء أمثال ثيرستون وجيلفورد وغيرهم.

1938 – نتيجة للجهود الكبيرة التي بذلها العالم الإنكليزي رافنRaven    ظهرت مصفوفات رافن وهي بطارية إختبارات جمعية غير لفظية لقياس الذكاء سميت "إختبارات رافن للمصفوفات المتتابعة"، وكان رافن يستقي رؤيته للتكوين العقلي من الإطار النظري الذي إتبعه سبيرمان في تحليله للذكاء من خلال نظرية العاملين، والتي حاول فيها إستخدام لوحات تحوي أشكالا هندسية، والتي يقوم فيها المفحوص بوصف القاعدة التي تحكم العلاقة بين هذه الأشكال، وتُعد إختبارات رافن من الإختبارات العابرة للحضاراتcivilizations crossing tests  أو غير المتحيزة ثقافياً، فهي صالحة للتطبيق في مختلف البيئات والثقافات.

وفي العام نفسه نشر العالم الأمريكي ثيرستون Thurston   الدراسة الأولى في سلسلة من البحوث العاملية في ميدان القدرات العقلية، وقد إستخدم (60) إختباراً طبقت على (240) طالباً جامعياً، وتم إستخراج مجموعة من العوامل المتعددة المنفصلة والتي أسماها "القدرات العقلية الأولية" والتي يتشابه الكثير منها مع ما توصل إليه كيلي في بحثه عام 1928 ، وهي عامل التصور البصري المكاني، وعامل السرعة الإدراكية، والعامل العددي، وعامل الطلاقة اللفظية، وعامل طلاقة الكلمات، وعامل الذاكرة، وعامل الإستقراء.



1940- قام تلامذة ثيرستون وتحت إشرافه المباشر بتطبيق بطارية الإختبارات الشاملة التي أعدها عام 1938 على عينات أكبر وعلى شرائح عمرية أخرى منهم تلاميذ المرحلة الإبتدائية وطلبة المرحلة الثانوية، وتُعد نسختها الجديدة هي البطارية الأساس في المعايير والتقنين، بعد الإختصار في طول بعض الإختبارات وشمولها لمستويات عمرية مختلفة، لتشمل خمسة مستويات عمرية، وكانت عينة التلاميذ مكونة من (710) تلميذاً.

ومن العوامل المستخرجة في هذا التطبيق هي العوامل السابقة نفسها عدا عوامل الإستدلال الثلاثة (الإستقراء، والإستنباط، والإستدلال) فلم يظهر منها إلا عامل واحد أسماه العامل الإستدلالي.

1943- قام كل من ثورنديك وهيجن& Hagen  Thorndike بإصدار بطارية إختبارات القوة الجوية (في الجيش الأمريكي) والتي إستمر تطبيقها حتى عام 1955 وقد حددت بوساطتها بروفيلات للقدرات العقلية لـ (10000) فرداً.

1946 – صممت إختبارات فلانكان Flanagan لتصنيف الإستعدادات والتي إستندت بدرجة كبيرة على الأساليب المعتمدة في بطارية سلاح الجو الأمريكي عام 1943 والتي كان فلانكان عضواً في إعداد برنامجها، وقد تكونت بطارية فلانكان من (27) إختباراً.

1947 – إشترك ثلاثة من أبرز المشتغلين في القياس العقلي ببناء وإصدار بطارية الإستعدادات الفارقية وهم بينيت وسيشور ووسمان Bennett and Seashore  Wesman، وقد طبقت على عينات كبيرة من طلبة المدارس الثانوية والإعدادية ضمن مستويات عمرية مختلفة على إمتداد مدارس الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تشمل مجموعة من الإختبارات، وقد صدرت هذه البطارية في الأصل عن المؤسسة النفسية The Psychological Corporation كبطارية إرشاد للإستخدام في المدرسة الثانوية، وجميع الإختبارات في هذه البطارية هي إختبارات قوة بإستثناء إختبار الدقة والسرعة الكتابية.

وفي العام نفسه طور مكتب الضمان الوظيفي التابع لدائرة العمل الأمريكي سلسلة من الإختبارات سميت بطارية الإستعدادات العامة (G.A.T.B) تجاوز عددها (50) إختباراً وكانت جميعها إختبارات سرعة، وقد كانت تهدف إلى قياس الذكاء العام Intelligence General ..

1954 – قام فالنتاين  Valentine في بريطانيا ببناء مجموعة من الإختبارات لقياس الإستدلال لمستويات الذكاء العالي وكان يستهدف المساعدة على قبول الطلبة في الجامعات وكليات المعلمين في بريطانيا، وكانت هذه البطارية تستهدف قياس الإستدلال الاستقرائي، والمنطق الرمزي على حل المشكلات.

1960 – بعدما بدأ الإهتمام بالموهبة والقدرات الخاصة، تم تصميم بطارية Talent للتعرف على المواهب الخاصة، وقد طبقت على (440) ألف طالب في (1353) مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت خطة الدراسة هذه تستهدف متابعة الطلاب المفحوصين في السنوات الأربع  اللاحقة لمعرفة ما الذي حدث لهم فيما يتعلق بالمهنة التي إختاروها، والتعليم الذي حصلوا عليه .

1963 – صممت إحدى أهم البطاريات المستخدمة في مجال الصناعة والتي تسمى "بطارية مسح قدرات الموظف" Employee Abilities Survey والتي طورتها مصلحة الخدمات السيكولوجية للأهمية الكبيرة والفائدة التي تؤديها الإختبارات في مجال الصناعة، وكانت هذه البطارية ذات فائدة كبيرة للمسؤولين عن التوظيف في العديد من الأعمال الصناعية وإدارات الأعمال.



ومن جهة أخرى كان هناك الكثير من البطاريات التي صممت لقياس عمليات معرفية مختلفة وقدرات عقلية وإستعدادات معتمدة على أطر نظرية مختلفة كما في بطاريات القدرات الإبتكارية لجيلفورد، وبطارية إختبارات التفكير الإبتكاري لتورانس، ومجموعات أخرى من بطاريات المهن والصناعات والتوظيف والقبول والتنبؤ في النجاح الأكاديمي والمهني وفي الولايات المتحدة الأمريكية كما في معهد نيوجرسي، وبعض دول أوروبا، وكذلك في دول عربية كثيرة.



---------------------------------------------- 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خبرة ما وراء الإنفعال

  خبرة ما وراء الإنفعال لدى أسرة ذوي إضطراب طيف التوحد أ.د. عباس علي شلال --------------------------------------------------- تمهيد .....